مكتبات جُعلت في مكتبة، مجلّدات صُنِّفت في مجلَّدٍ، بل ألوفٌ من الكتب ضمّها كتابٌ واحد. عمل توثيقيّ بامتياز خاض غماره الأب كميل حشيمه، جامعًا، باحثًا، مفتِّشًا، منقِّبًا، محقّقًا، مغربلاً، مبوِّبًا، مدقِّقًا، مصحّحًا، مُفهرسًا.
حدّد المؤلّف في مقدّمة الكتاب (ص5-14) أُطر البحث، شارحًا أبعاد العنوان ومضامينه. فما المقصود بالآداب العربيّة، والآداب الإسلاميّة؟ كما فصّل المنهجيّة المُتّبَعَة في جمع المادّة وإظهارها، بحيث يرد الرهبان اليسوعيّون بالترتيب الألفبائيّ لأسماء عائلاتهم، فتأتي كلّ مادّة تخصّ راهبًا من دون غيره منقسمة إلى ثلاث نواحٍ: أ- سيرة الراهب؛ ب- لائحة مؤلّفاته وما كُتب عنها وصفًا ونقدًا؛ ج- المصادر والمراجع أساس المعلومات. كما وعدّد الأب حشيمه المجالات البارزة التي خاض فيها اليسوعيّون ميدان التأليف والنقل وأهمّها: الدينيّات، والمدرسيّات، والمعاجم، والآداب عامّةً، وما يتفرّع من هذه الميادين من أعمالٍ وموضوعاتٍ ومجالاتِ فكرٍ وأبحاث؛ مذيِّلاً المقدّمة بمصادر البحث ومراجعه من كتبٍ وموسوعاتٍ ومجلاّت ودوريّات باللغة العربيّة واللغات الأجنبيّة.
وإنْ كان البحث عن اليسوعيّين الذين كتبوا باللغة العربيّة قد استغرق مئتين وخمسًا وثمانين صفحة من الكتاب، فإنّ الرهبان الذين كتبوا في الشؤون العربيّة والإسلاميّة بلغات غير العربيّة كان لهم ملحقُهم الخاصّ في ذيل المؤلَّف، وعلى المنهجيّة المتّبعة نفسها شكلاً وتنسيقًا. ولكي يغدو العملُ أشدَّ فائدة، وذا جدوى قصوى، صنَّف الأب حشيمه فهارسَ أربعة: للأشخاص، للمعاهد والمؤسّسات، للمؤلّفات، للمدن والمناطق والبلدان، بحيث يجد كلّ دارس أو باحثٍ أو قارئ ضالَّتَه، مشفوعةً أحيانًا كثيرة بالمكان أو الزمان أو التسمية أو المرجع.
ولا يخفى على القارئ اللبيب، أو صاحب الاختصاص المتضلّع من اللغة العربيّة وغيرها من اللغات، ما للغة هذا البحث من أهمّيّة في عرض المادّة واختصارها وإبرازها بالشكل الملائم. فأسلوب المؤلِّف هو من السهل الممتنع، بحيث لا نقع على التطويل أو التكرار، أو الحشو. فاللغة عنده واضحة، سليمة، مُختصَرَة، مشوِّقة، تبلغ هدفها مباشرةً. وأصول التدوين متّبعه بمنهجيّة صارمة، إذ لكلٍّ من النقطة، والفاصلة، والنقطة فاصلة، والهلال، والقوس، والمعقوفَيْن... المكان الخاصّ والإلزاميّ الذي لا مفرّ منه. فكيف لا؟ وصاحب البحث ذو باع طويل في التأليف والدراسات الأكاديميّة والألقاب الجامعيّة، ويحمل على مِنْكبَيْه عشرات الكتب والمقالات تأليفًا وتحقيقًا ونقلاً.
صحيحٌ أنّ جمعَ مادّة كهذه دونها خَرْط القِتاد، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ مادّةً كهذه لا يعرف قيمتها وأهمّيّتها إلاّ مَن كان بأمسّ الحاجة إليها، دارسًا، أم مفتِّشًا، أم باحثًا عن معلومة.
وهل تصحّ في مؤلَّف الأب حشيمه مقولةٌ، غالبًا ما سمعها من عَملَ في أوساط اليسوعيّين، وعاش بين ظَهْرانَيْهم: «إنّ نصف اليسوعيّين يمضون نصف حياتهم، في التفتيش والتنقيب والكتابة عن أعمال اليسوعيّين الآخرين ومآثرهم»؟
ريمون حرفوش
تعليقات 0 تعليق