موضوع هذا الكتاب الصورة الّتي رسمها أبو حيّان التوحيديّ (المتوفى سنة 414ه / 1023م) لمجتمعه في القرن الرابع الهجريّ / العاشر الميلاديّ، وهي صورة شديدة الحيويّة، مليئة بالتفاصيل الدقيقة الّتي يتفرّد أبو حيّان بمعظمها، ولذلك لا يجدها الدارس عند غيره من المؤرّخين، ومن ثمّ قيمتها. وقد ساعد أبا حيّان على رسم تلك الصورة ذكاء حادّ، وثقافة عريضة تجمع بين الإسلاميّ والفلسفيّ، وسفر متّصل في شتّى أرجاء شرق الخلافة الإسلاميّة، من بغداد ومكّة إلى الريّ وشيراز، ولقاء لأعداد لا تُحصى من الناس، المشاهير منهم في شتّى حقول العلم والسياسة، والمغمورين من العامّة، بما في ذلك أولئك الّذين يعيشون على أطراف المجتمع من الغوغاء والرّعاع، وقدرة فذّة على المراقبة ومتابعة الظواهر والبحث عن البواعث والأهداف الخفيّة القابعة خلف التصرّفات البشريّة، وعجز عن الانضواء الاجتماعيّ والانتماء لفريق واحد دون سواه، واشتغال جدّي بقضايا الإنسان الوجوديّة، وتراوح متّصل بين الواقع والمثال، ولسان حادّ لا يخشى صاحبه من التصريح بما يحذر غيره من التلميح به، وتمكّنٌ عميق من اللغة العربيّة ومحبّة شديدة لها. وقبل هذا وذاك، قدرة بيانيّة خلّقة على الكتابة الفنّيّة، لا يكاد يدانيه أحد فيها من كتّاب النثر العربيّ في العصر الوسيط.
تعليقات 0 تعليق