إنّ ترجمة هذا الكتاب العربيّة تقدّم إلى الجمهور الناطق بالعربيّة طريقةً جديدة لتناوُل مسألة تفسير القرآن، لا آيةً آية (كما في التفاسير التقليديّة)، ولا بحسب تكوّن النصّ (كما في النقد التاريخيّ الغربيّ، بتفكيك النصّ)، بل انطلاقًا من تحليل تركيب النصّ، كما يظهر في المصحف العثماني، من دون أيّ تغيير. وقد أُعِدّ هذا المنهج شيئًا فشيئًا طوال القرنَين الأخيرَين في تفسير الكتاب المقدّس، وهو يُطبَّق للمرّة الأولى على نصّ القرآن. فإنّ النصوص المقدّسة الخاصّة بالشرق الأوسط الساميّ القديم، من نصوص توراتية وإنجيليّة وقرآنيّة، وغيرها، تُطيعُ بالفعل قوانين تركيبيّة أخرى غير نصوص التراثَين اليونانيّ واللاتينيّ اللذَين ورثنا منهما جميعًا، بما فينا العرب. وهذه النصوص مؤلّفة بطريقة خطّيّة، انطلاقًا من مقدّمة، ثمّ عرض متواصل للموضوع، ثمّ خاتمة؛ في حين أنّ نصوص التراث الساميّ مركّبة بحسب مجموعة معقّدة من أجزاء منظّمة بطريقة متناظرة، إمّا من حيث تشابه المعنى، وإمّا من حيث التعارُض. وكثيرًا ما يفصلُ مركزٌ أو يصِلُ جزأين متناظرَين، مُقترحًا مفتاحَ شرحٍ لمجمل النصّ. وإنّ هذا المنهج، إذ طُبِّق على القرآن، يسمح بإدراك وحدة السُوَر وترابُطها، حتّى السُور الأشدّ تعقيدًا التي غالبًا ما تترك القارئ حائرًا، شاعرًا بالضياع. وهذه حالُ سورة المائدة موضوع دراستنا. فإنّ تحليل تركيب النصّ، بحسب قوانين البلاغة الساميّة، يسمحُ بتوحيد كثرة الموضوعات المعالَجة في هذه السورة حول موضوع العهد: من جهة، يُستَحَثّ المؤمنون المسلمون على احترام أحكام العهد الإسلاميّ الذي يحتفلون به في أثناء حجّهم إلى الكعبة؛ وثمّة قواعد عدّة مُقترَحة كذلك لتنظيم الجماعة داخليًّا، وفي صلتها بأهل الكتاب. من جهة أخرى، يتمّ شجب سلوك أهل الكتاب الذين رفضوا الدخول في العهد الإسلاميّ، ويُستحَثّون على الدخول فيه.
تعليقات 0 تعليق