الحبّ والموت من منظور السيرة الذاتيّة بين مصر ولبنان في أدب: طه حسين - توفيق الحكيم - عائشة عبد الرحمن - ميخائيل نعيمه - توفيق يوسف عوّاد - ليلى عسيران
ليس بالأمر اليسير أن يكتب قارئٌ صفحةً أو صفحتَيْن في أطروحة دكتوراه موحّدة من 480 صفحة، ناقشها أساتذةٌ أربعة، ونالت علامة 17 من عشرين بتقدير جيّد جدًّا. وإن كانت الرسائلُ تُقرأ عادةً من عناوينها، فيكفي أن يمعن النظر قارئ حصيف في «المقدّمة» وفي «مدخل إلى السيرة الذاتيّة» من الأطروحة ليدرك بوضوح مقدرة المُعِدّ العِلميّة والأدبيّة والثقافيّة. في عناوينَ واضحة محدّدة يرسم جوزف لبّس الطريق، فينطلق من الأسباب والنوازع تاريخيًّا ليشرح ويحلّل ويقارن ويستشهد ويعدّد على طريقة تصنيف العلم، مُستنطقًا المصادر والمراجع، مستعينًا بثقافةٍ متعدّدة الوجوه ليس أقلّها علم النفس والتربية والاجتماع، ناهلاً من مخزونٍ أدبيّ وثقافيّ غنيّ، بلغتَيْه العربيّة والفرنسيّة. بعد الكلام على السيرة الذاتيّة في «مدخلها»، وإشباعها درسًا وتمحيصًا ومقارنةً بغيرها من الفنون التي قد تشبهها من قريب أو بعيد، وذلك على طريقة الأطبّاء المشرّحين الذين يبحثون عن معرفة الأسباب قبل التوصّل إلى النتائج؛ انتقل لبّس إلى دراسة كلٍّ من الحبّ والموت من منظور السيرة الذاتيّة في نتاج الأدباء الستّة، بالتفصيل والترتيب الذي لا يحيد عنه نهجًا. إذ يمهّد عند الأديب ليدرُس الحبّ أوّلاً والموت ثانيًا - وهذا أمرٌ طبيعيّ وبديهيّ - ليصل إلى خلاصةٍ واستنتاج يكثّف فيهما زبدة البحث وعصارته، وهو في ذلك فنّان مُميِّز قدير. ولم يغفل أخيرًا الموازنة والاستنتاج اللذين يخصّان الدراسة بمجملها، بحيث ختم أطروحته تحت هذا العنوان بتفصيلاتٍ أربعة عن السيرة، والحبّ، والموت، وإشكاليّة ثنائيّة الحبّ والموت. يلفت في الأطروحة غنى المادّة موضوع البحث، إذ كوّنت المصادر وحدها عند الأدباء الستّة أربعةً وسبعين مصدرًا. والمراجع العربيّة التي أنارت الطريق نقدًا وفكرًا وفلسفةً وعلمَ تربيةٍ ونفسٍ واجتماع... جاءت بمئةٍ وتسعة وسبعين مرجعًا لمروحة واسعة جدًّا من الكتّاب والمؤلّفين أعظمهم من العصر الحديث. أمّا المراجع المعرَّبة فشملت ثمانية وأربعين مرجعًا. في حين أنّ المراجع الأجنبيّة كوّنت مئةً وثمانية عشر مرجعًا كلّها من دون استثناء في اللغة الفرنسيّة. بالإضافة إلى فهرس للأعلام يبدو بديهيًّا وضروريًّا في بحث رجع إلى هذا الكمّ من الأدباء والمؤلّفين أصحاب المراجع العربيّة والفرنسيّة. هل يحبّ الإنسان مَن يشاء، ساعةَ يشاء، وفي المكان الذي يريد، وبالظروف التي يحدّدها؟ هل يموتُ الإنسان بقرار يأخذه بنفسه، ساعةَ يشاء، وكيفما يشاء، في أمكنةٍ وظروف عائدة له وحده؟ إنّها الأقدار التي تتحكّم بالإنسان حبًّا وموتًا، تحكمه منذ البداية، منذ أن يبصر النور، فلا تترك له قرارًا في هذين الموضوعين اللذين يحملان لفظتين متشابهتين جَرْسًا ونطقًا بالفرنسيّة L'amour, la mort )، ومتشابهتين عددَ أحرفٍ بالعربيّة على حدّ قول المعدّ. هل أراد، حقًّا، جوزف لبّس أن يدرس الأقدار، أقدار الأدباء الستّة، لا بل قدره بالذات من خلال هذه الأطروحة القيّمة بموضوعها، الغنيّة بمعلوماتها، والمتقنة معالجةً وشكلاً؟ ريمون حرفوش
تعليقات 0 تعليق